• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

قراءة نقدية لمجموعة "حلبة القيروان"

أ. محمود توفيق حسين


تاريخ الإضافة: 2/11/2009 ميلادي - 14/11/1430 هجري

الزيارات: 6197

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
إنَّ أوَّل ما يلفت النَّظر في المجموعة القصصيَّة (حلبة القيروان) للأديب: رضا السمين[1]، وقد بان فيها الهمُّ الإسلاميُّ - هو ذلك التَّناول الخاص تمامًا لقضايا الأمَّة، وكذلك زاوية النَّظر التي يطلُّ منها على المشهد العام، زاوية النَّظر تلك مغايرةٌ تمامًا لتلك الزاوية التي ينظر منها الأديب الإسلاميُّ عادةً للمشهد، الزَّاوية ليستْ تربويَّةً وإشرافيَّةً ولا استعلائيَّةً، بحيث يبدو فيها النَّاظر وكأنَّه المنتشِل الذي جاء يخلِّص الجمهورَ من أوْحالِه، كان (رضا السمين) طليعيًّا؛ لأنَّه لم يخطِّط لدور طليعيٍّ يكلِّفه التَّقدُّم عن تلك الكتلة البشريَّة الضَّخمة والملغَّزة حاليًّا، المعروفة بالأمَّة الإسلاميَّة، لقد كتب من داخل هذا الزحام، وهذا الهرج، ومِن بين التخبُّط العصبيِّ للأفكار والحركات والتجليَّات، بل ويبدو أنَّه عاشه بنفسه.
 
كأديب إسلاميٍّ - بصَرْف النَّظر عن تمام الموافقة مع اشتراطات هذا الاصطلاح - فإنَّ الكاتب المختلف يعيش حالةً من القلق الإبداعيِّ يُحسَد عليها، وبمعنى أوضح: فإنَّ هذا القلق ضامرٌ إلى حدٍّ بعيدٍ في كتابات الأدب الإسلاميِّ، وكلَّما ازداد توافُق الكاتب مع هذه الاشتراطات قلَّ قلقه، وتماهَى أكثر في دور الداعية، وما حقَّقه رضا السمين هو درجةٌ معقولةٌ من الاتِّفاق مع سمات واشتراطات الأدب الإسلاميِّ، واحتفظ رغمَ ذلك بكامل قلقِه، وأعتقد أنَّه حريصٌ عليه جدًّا، وأعتقد أنَّه يراه سببًا رئيسًا للإبداع عنده، ويجدر بي الإشارة إلى أنَّ هذا القلق ليس قلقًا فكريًّا يتعلَّق بأسئلة الوجود الكبرى، إنَّه قلق (هل؟ وكيف؟ ومتى؟)، هل سننهض؟كيف سننهض؟ ومتى سننهض؟
 
أثَرُ القلق على قصص رضا السمين يُمكن ملاحظتُه في طريقةِ رسمه للشَّخصيَّات، وفي استنطاقه لها، فالشَّخصيات القلقة في مجملها لا تُريد أن تؤكِّد على وجودها البيولوجي، لا تريد أن تتزيا بزيٍّ معيِّنٍ، أو تتخذ ملامحَ ما، قلقُه انعكس على شخصياته، وقلقُ شخصياته جعلها في حالة عِنادٍ مع التَّكثيف والشَّكل والبروز، كأنَّه لا وقتَ لديها لاتِّخاذ جسدٍ، وغير هذا، فذاك القلق انعكس على سرعةِ نقْل المشهد من هذا لذاك، وكذلك سرعةُ الحوار بين الشَّخصيَّات، والفقرة الواحدة من السَّرْد كافيةٌ لأنْ تكونَ دفتر أحوالٍ عاجلٍ لمجموعة شخصيَّات القصَّة ككلٍّ، القلق هنا هو البطل وحدَه؛ لذا يَستعصي عليك عند القراءة أن تضع شخصًا ما في بؤرة الأحداث، وتضع البقيَّة في الخلفيَّة، كلُّهم في الخلفيَّة، والقلق وحدَه في المقدِّمة.
 
يُولِي (رضا السمين) المدينةَ أهميَّةً خاصَّة، إنَّها ليست تلك الأرضيَّة التي يتحرَّك فوقَها أبطالٌ ما، ويصنعها أديبٌ ما كيفما اتفق، إنَّما المدينة تفرز الأبطالَ وتطاردهم، وتحتضنهم وتلفظهم، وتضحك منهم، وأحيانًا لا تعبأُ بهم، وهي في جميع الأحوال قَدَرُهم الذي لا فَكاك منه.
 
إذًا؛ لدينا مدينةٌ، ولدينا قلقٌ، ولدينا أبطالٌ يتقاسمون المشهدَ والحوار بشيءٍ من الزُّهد الواضح في البطولة، وبشيءٍ من الزُّهد الواضح في اختطاف لحظةِ الذِّروة، وهذا شيءٌ عجيبٌ ومثير، وهو ليس كلَّ شيءٍ؛ فالكاتب يضع ورطةً محسوبةً لأبطاله، ويُسبِغ عليهم شيئًا من التَّعوُّد عليها، تعودٌ فنيٌّ غريبٌ يؤكِّد على قدرةٍ فنيَّةٍ ونُضْج، إذ إنَّ الرَّفض أشدُّ إلهامًا، وأقوى قدرةً على جَذْب القارئ، لكن أن يجعل الكاتب التعوُّدَ هو الحالة، ثمَّ ينجح في رسْم هذه الحالة بطريقةٍ ناضجة، حيث أبطالُه يتحرَّكون للخلاص بخُطوات بطيئة لزجة، كأنَّهم جماعةٌ من النَّمل تمشي في خطوط غيرِ مستقيمة، ممَّا جَعَل بنصوصه مساحةً من التِّيه والخطوط الهروبيَّة الماكرة، حيث بدَا الهروب - أو محاولات الهروب - الذي يمارسه أبطالُه كأنَّه نمطُ حياةٍ لهم، أكثر منه وسيلةً للخلاص.
 
(الفزَّاعة) التي يضعها الأديبُ الإسلامي - أيُّ أديب إسلاميٍّ - لنفسه في المرحلة الحالية على الطاولة التي يضع عليها أوراقَه وقلمَه هي (التقريرية)، إنَّه يخشى أن يُتَّهم بالتَّقريرية، وهي التُّهمة التي تُرفَع في وجهه بدَاعٍ وبدون داعٍ، وكأنَّ أكابر فنِّ الرِّواية لم يُتَّهموا بالتَّقريرية في بعض صفحات أعظمِ أعمالهم، وكأنهم لم يُتَّهموا بقول ما لديهم مِن خلال شخصٍ ما من أبطال الرِّواية؛ التَّقريرية في الأدب وقع فيها أدباء لا خلاف على حجمهم الأدبيِّ، وتلافاها من هم دونهم، إذًا ليستِ التَّقريرية ملازمةً دومًا للضَّعف الفنيِّ، ولا غيابها دليلاً - في كلِّ الأحوال - على التَّفوق الفنيِّ، يمكن القول أنَّ بعض الثَّريين فنيًّا، وتحت ضغط شعورٍ قويٍّ بالإخلاص أحيانًا، أو الثِّقة بالنَّفس في أحيانٍ أخرى - يستجيبون لرغبةٍ عارمة بين صفحات أعمالهم في المباشرة والتَّقريريَّة، وتقديم الوصفات، أو حتى الخَطابة.
 
بالنسبة للكاتب (رضا السمين)، فقد تكلَّم بشكل مباشر في أكثرَ من جَنَبةٍ من جَنَبات مجموعته، ويبدو أنَّه لا يَخشى من الاتِّهام بالتَّقريرية، والفزَّاعة ليستْ على طاولته، فقد انسكبتْ من عوالمه القصصيَّة لغةٌ معرفيَّةٌ واعية تنطق عن الواقع المأزوم للأمَّة، وبعض هذا (النطق الصريح) يبدو وكأنَّه مقتطعٌ من مقالة، ومزروعٌ في جسد النَّص، وبعضه يأتي في النَّص بقوَّة حالات الإفاقة لَدَى المحموم، الوعي المصاب والسليم في آنٍ واحد في حالة نطق، ما إن تنتهي نوبةُ الإفاقة حتى تدخلَ مع الكاتب حالة الذُّهول الفنيِّ لواقع أبطاله وحركاتِهم المضطربة اضطرابًا إبداعيًّا متجانسًا.
 
لكن وعلى كلِّ حال، لا بدَّ من القوْل بأن التَّقريريَّة التي كانت تبدو أحيانًا كفواصلَ بين مشاهد الاضطراب المثير، وأحيانًا كشيءٍ يريد أن يضعَه في يَدِ القارئ، ولا يُكلِّفه عناءَ البحث عنه، كانت تلك التَّقريريَّة أحيانًا ما تنفلت إلى ما بعد غاياتها الفنية.
 
والكاتب يختلف عن كثير من الأدباء الإسلامييِّن بما يؤمن به تُجاهَ القصَّة، هو يؤمن بها كإشكال وحيرة، أكثرَ من إيمانه بها كحَلٍّ وكطمأنينة؛ لذا فإنَّك لا تستطيع أن تتخيَّل الطَّريق الذي اختاره لقصَّته من قراءة أوَّلها مثلما تفعل مع قصص كثيرٍ من أدباء التيَّار، وبخاصَّة الذين لم يشتدَّ عودُهم بعد، هندسة النَّهاية المحسومة في ذهنيَّة الكاتب موجودةٌ ولكنها غير مكشوفةٍ، وبعيدًا عن هذه الهندسة الخفيَّة هناك تلك الهندسة المكشوفة في الخِطاب التَّقريريِّ الذي تكلَّمنا عنه، وبين نوْل هاتَيْن الهندستين ينسج قصَّته، من أشخاص شِبه تائهين وهادئين في الوقت ذاته، ومن إيمانات واضحة جليَّة يصرِّح بها ويصرخ: إيمانٌ بأنَّ عقيدة التَّوحيد هي المحرِّر الحقيقيُّ للمجتمعات الإنسانيَّة، وإيمانٌ بالشُّورى كوسيلة لضبط أداء تلك المجتمعات ووقايتها من الوهن والإفساد والتغوُّل، وإيمانٌ باللُّغة العربيَّة الفُصْحى كوسيلة أساس؛ للحفاظ على الهويَّة.
 
ورغم علوِّ صوْت هذا الخطاب، وتعدُّد ظهوره في غير موضعٍ بالمجموعة، ممَّا يتخطَّى به تصريحات أكثرِ الكتَّاب التزامًا حينما يبدعون مجموعةً قصصيَّة، ممَّا يمكن تسميَّته بخطِّ (العرف، الفطرة، الوضوح)، لكن الكاتب رغمَ ذلك يُبدي قدْرًا من التَّشكُّك في (الوضوح) و(المنطقية) فيما يخصُّ الخطابَ البشريَّ، وحلول الأزمات الاجتماعيَّة، إنَّه يبحث عن النَّزاهة والاستقامة من خلال تعبيرٍ يتخطَّى النَّقل، ومع ذلك فهو يتولَّى - وبكل إخلاص - دفاعًا قويًّا وتقريريًّا صريحًا عن ثوابتنا وأُسسنا (النَّقليَّة)، إنَّه يريد الانتصارَ للثَّوابت من خلال حالةٍ جماعيَّة لإفاقة الضَّمير، ومِن خلال العمل الجادِّ، وليس من خلال الكلام المكرور الذي الْتصق به النَّاس أكثرَ من الْتصاقهم بغاياتهم، فأصبح الكلام عن النَّهضة أهمَّ من النَّهضة.
 
هذه رؤيةٌ نقديَّةٌ عامَّةٌ للمجموعة القصصيَّة (حلبة القيروان) للأديب رضا السمين، تَطرح بقوةٍ أسئلةً فكريَّةً كثيرة، وسؤالاً أدبيًّا عن احتمالية وجود فُسحةٍ في الأدب الإسلاميِّ للكتابة التي تحتاج إلى شيءٍ من الجهد وإعادة القراءة، وكذلك عن فُرصة تربية ذوقٍ آخَرَ، موازٍ للذَّوق السَّائد في قراءة الأدب الإسلاميِّ.
 
 
 

 

ـــــــــــــــــــــ
[1] رضا السمين: من أهل القيروان، ولد في مدينة تونس سنة 1965، درس هوامش عِلم الاجتماع في المغرب العربي وفرنسا، وصدر له: البراكين الهادئة (1998)، قرنفلة الخلاء (2000)، سكان الدواحس (2002)، مخالب من الرمل في القلب (2006).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة